أنواع الحرير


أنواع الحرير

الحرير الطبيعي :

الحريرُ الطبيعيُّ هو أليافٌ بروتينيةٌ طبيعيةٌ قابلةٌ للنَّسْجِ ، يتمُّ الحصولُ عليها من شرانقِ دودةِ القَـزِّ . وهو سائلٌ لَزِجٌ تفرزُهُ دودةُ القزِّ ، ثم يتصلَّبُ بمُلامَسَةِ الهواءِ ويُصْبِحُ خيطَ الحريرِ . ويرتبِطُ طولُ ليفِ الحريرِ بحجمِ الشرنقةِ . ويعودُ تاريخُ الحريرِ إلى العصرِ الحَجَرِيِّ الحديثِ ( بَيْنَ 3000 و2000 قبل الميلادِ ) . عَرَفَتْهُ الصينُ وقامتْ بإنتاجِهِ ، وظلَّ محصورًا فيها حتى فُتِحَ طريقُ الحريرِ خلالَ النِّصْفِ الأخيرِ من الألفيَّةِ الأولى قبل الميلاد ، ثم انْفَرَدَتْ بإنتاجِهِ لألفِ سنةٍ أُخْرَى . واستُخْدِمَ في صناعةِ الملابسِ والورقِ وغَيْرِ ذلك . ثم امتدَّتْ زراعةُ الحريرِ إلى اليابان حوالي عام 300م . وفي عامِ 552م أرسلَ الإمبراطورُ البيزنطيُّ جستنيان اثنَيْنِ مِنَ الرهبانِ النَّسْطورِيّينَ إلى آسيا الوسطَى للتبشيرِ ، فتمكَّنا من تهريبِ بَيْضِ دودةِ القَزِّ مُخَـبَّـأً في قصبةٍ مِنَ الخَيْزُران ، فخاضَ البيزنطيون أولَ تجربةٍ لهم في تربيةِ دودِ القَـزِّ ، واستفادوا من آلاتِ المِصريين في الغزلِ والنَّسْجِ . وعرفَ العربُ الحريرَ منذُ زمنٍ بعيدٍ عن طريقِ التجارةِ القادمةِ مِن بلاد فارس ، فاستعاروا له أسماءً فارسيةً وعرَّبوها ؛ كالدِّيباجِ ( دَبَجَ الشيءَ حَسَّنَهُ ونَمَّقَهُ ) ، والإِسْتَبْرَقِ ( وهو الديباجُ الغليظُ ) ، والسُّنْدُسِ ( الديباجُ الرقيقِ ) ، أما القَـزُّ فهو الحريرُ الخامُ قبلَ مُعالَجَتِهِ . ومِنَ العلاماتِ التي تُمَيِّزُ الحريرَ الطبيعيَّ عدمُ انكماشِهِ عند تَعَرُّضِهِ للبللِ ، وزيادةُ لمعانِهِ وبريقِه مع مرورِ الزمن . كما يُستخدمُ الحريرُ الطبيعيُّ اليومَ بخلطِه مع خاماتٍ طبيعيةٍ أُخْرَى وأنسِجَةٍ صناعيةٍ للحصولِ على خواصٍّ مميَّزةٍ للمنسوجاتِ .

أنواعُ الحريرِ :

للحريرِ أنواعٌ عِدَّةٌ ، عُرِفَ بعضُها منذُ القِدَمِ وبعضُها حديثٌ . ولكُلِّ نَوْعٍ منها صفاتُه ومميزاتُه وعيوبُه . معظمُ أنواعِ الحريرِ تُنْتِجُهُ يَرقاتٌ لأجناسٍ مختلفةٍ من فراشاتِ العُـثِّ ، منتشرةٍ في أماكنَ متفرِّقَةٍ من العالَمِ . منها :

١- حريرُ التوتِ :

 

 

وهو أجودُ أنواعِ الحريرِ وأشهرُها ، وقد انتشرَ في الصينِ منذُ الألفيَّةِ الثالثةِ قبلَ الميلاد ، وظلَّ حِكْرًا عليها لِقُرونٍ كثيرةٍ . تُنْتِجُ هذا الحريرَ تنتجه دودةُ القَـزِّ التوتيةُ والتي تتغذَّى على أوراقِ التوتِ ، وقد دَجَّنَها الإنسانُ وقامَ بتربِيَتِها في مزارِعَ خاصةٍ ، حتى تُكَوِّنَ الشرنقةِ مِن خَيْطٍ حريريٍّ واحدٍ طويلٍ ، وتتحوَّلَ الدودةُ في داخِلِها إلى خادِرَةٍ . لا يُنْتَظَرُ حتى تخرُجَ الفراشةُ من الشرنقةِ فتقطعَ خيطَ الحريرِ وتُفْسِدَهُ ، وإنَّما تُقْتَلُ الخادِرَةُ داخلَ شرنقتِها بغليِها في الماءِ لوقتٍ طويلٍ لإزالةِ المادةِ الصمغيةِ المحيطةِ بالحريرِ … وتُسَمَّى هذه العمليةُ بِحَلِّ الحريرِ ، ثم تُنْسَجُ الخيوطُ . ويتميَّزُ حريرُ التوتِ بلَوْنِهِ الأبيضِ اللامِعِ وملمسِهِ الناعمِ .

٢- حريرُ الخروع :

 

 

عُرِفَ هذا النَّوْعُ مِنَ الحريرِ في مِنطقةِ “أسام” شمالَ شرقِ الهندِ في نفسِ الزمنِ الذي عُرِفَ فيه حريرُ التوتِ في الصينِ . ويُنْتَجُ اليومَ في الهندِ والصينِ واليابانِ وغيرِها من دُوَلِ شرقِ آسيا . وتُنْتِجُ هذا النوعَ من الحريرِ دودةُ الحريرِ الخروعية التي تتغذَّى على أوراقِ شجرِ الخروعِ أساسًا ، وعلى غيرِهِ من النباتاتِ المُتَوَفِّرَةِ في بيئتِه . وتعيشُ هذه الدودةُ بصورةٍ بريَّةٍ في الطبيعةِ كما تُرَبَّى في مزارعَ خاصةٍ . وتختلفُ جودةُ الحريرِ حسبَ نوعِ الغِذاءِ ، وأجوَدُها الناتِجُ عن التغذيةِ بأوراقِ شجرةِ الخروع . ويمتازُ إنتاجُ هذا الحريرِ بعدمِ اللجوءِ إلى قتلِ الخادرةِ ؛ فشرنقتُها مفتوحةٌ ، ولذا تُتْرَكُ حتى تخرجَ منها الفراشةُ … ثم تُعالَجُ بإذابةِ المادةِ الصمغيةِ الكثيفةِ الموجودةِ حولَ خيوطِ الحريرِ القصيرةِ التي تُغْزَلُ كغَيْرِها من الخيوطِ الطبيعيةِ كالقطنِ والصوفِ والكتّانِ وغيرِها . ويمتازُ حريرُ الخروعِ بالدِّفْءِ فتُصنع منه الملابسُ الشتويةُ ، كما تُصنعُ منه أقمشةُ الستائرِ والتنجيدِ نظرًا لقوةِ تحمُّلِهِ .

٣- حريرُ الموجا :

 

 

يمتازُ هذا الحرير بلونِهِ الذهبيِّ اللامِعِ . ويُنْتَجُ في مِنطقةِ أسام في الهندِ فقط ، وكانَ قديمًا حِكْرًا على العائلةِ المالِكَةِ هُناك . وتتغذَّى الدودةُ على أوراقِ شجرةٍ عِطْرِيَّةٍ من عائلةِ نباتِ الغار .

٤- حرير التوسار :

 

يُنْتِجُ هذا الحريرَ دودةٌ بريَّةٌ تتغذَّى على أوراقِ أشجارِ الساجِ ( التيك ) . وأكبرُ الدولِ المنتِجَةِ له الهندُ ، ثم سريلانكا والصينُ واليابانُ . تُجَفَّفُ الشرانقُ في الشمسِ لقتلِ الخادرةِ بداخلِها ، ثم تُغْلَى لإذابةِ المادةِ الصمغيةِ وسهولةِ حَلِّ خَيْطِ الحريرِ .

٥- حريرُ دودةِ الأنافي :

 

والأنافي ديدانٌ تعيشُ في وسطِ وجنوبِ إفريقيا ، ويُنْتَجُ حريرُها في غربِ إفريقيا منذُ قرونٍ. تَبْني هذه الديدانُ أعشاشًا أو شرانِقَ كبيرةً حولَ عددٍ من اليرقاتِ ، وحريرُها أقوَى وأكثرُ تحمُّلًا من حريرِ التوتِ ، وتُصْنَعُ منه أنسجةُ الديباجِ والإستبرقِ الغَليظِ . يشتهرُ بإنتاجِه قبائلُ الهَوْسا واليوروبا في نيجيريا حيث يقومُ الرجالُ في القبيلةِ بعمليةِ نسجِ الحريرِ بعد غزلِ خيوطِه . إلا أنَّ إساءَةَ استغلالِ المواردِ إلى جانبِ إزالةِ الغاباتِ في القرنِ العشرين أدَّى إلى نُدْرَةِ وُجودِها .

٦- حرير الكوان :

 

تنتجُ هذا الحريرَ يرقاتٌ تستوطنُ شمالَ حَوْضِ البحرِ المتوسطِ ، في تُركيا واليونان وإيطاليا ، واشتُهِرَ في روما القديمةِ لصُنْعِ ملابسِ طبقةِ النُّبَلاءِ . وتتغذَّى اليرقاتُ على أوراقِ أشجارِ الصنوبرِ والساجِ والسَّرْوِ والعَرْعَرِ . وهذا الحريرُ لم يَعُدْ يُنْتَجُ لتَوَفُّرِ أنواعٍ أكثرَ جودةً منه . وهناك أنواعٌ أُخرَى كثيرةٌ أقلُّ شهرةً وأندرُ ، أو أقلُّ جَوْدَةً ، عُرِفَتْ قديمًا ، منها ما كانَ يستخدمُهُ الأزتك في أمريكا لصناعةِ السِّلالِ والأوراقِ .

٧- حريرُ البحرِ أو صوفُ البحر :

 

 

هذا الحريرُ لا تُنْتِجُهُ يرقاتٌ كالأنواعِ السابقةِ ، وإنَّما هو خيوطٌ يُفْرِزُها حيوانٌ صَدَفِيٌّ يعيشُ في البحرِ المتوسطِ ، يُثَبِّتُ بها صدفَتَه في قاعِ البحرِ . تُغْزَلُ تلكَ الخيوطُ ثم تُنْسَجُ ويُصْنَعُ منها ثيابٌ ذاتُ قيمةٍ كبيرةٍ . عرفَهُ الرومانُ منذ القرنِ الثامنِ قبلَ الميلادِ ، وينحصِرُ إنتاجُهُ اليومَ في مدينةِ تورنتو الإيطالية .

٨- حريرُ العنكبوتِ :

 

 

تُفْرِزُ أُنْثَى العنكبوت خيوطًا من الحريرِ قويةً بشكلٍ ملحوظٍ ، حيثُ تُعْتَبَرُ أقوَى بخمسةِ أضعافٍ نفسِ الوزنِ من الفولاذ . وتفرزُ الأُنْثَى الواحدةُ حوالي ثمانيةَ أنواعٍ من الخيوطِ مختلفةً وفقًا لما تُسْتَخْدَمُ له . يصعبُ الحصولُ على كميّاتٍ من هذا الحريرِ تكفي لتداوُلِهِ على مستوًى تجاريٍّ . تُستخدَمُ العناكبُ الضخمةُ التي تعيشُ في جزيرةِ مدغشقر للحصولِ على كميّاتٍ مناسبةٍ من خيوطِ الحريرِ ، تُسْتَعْمَلُ في صناعةِ القمصانِ الواقيةِ من الرَّصاصِ ، كما تُستخدمُ في صناعةِ التلسكوب .

٩- الحريرُ الصناعيُّ ( الرايون ) :

ويُصنعُ مِن لُبِّ الخشبِ أو نسالاتِ القطنِ بعدَ حَلْجِه . ويختلفُ عن الحريرِ الطبيعيِّ في كَوْنِهِ ينكمِشُ عندَ تعرُّضِهِ للبَللِ وينطفِئُ بريقُهُ مع الغسيلِ ، كما أنَّهُ سريعُ التَّلَفِ .

١٠- الحريرُ الصخريُّ :

وهو ليس حريرًا وإنما هو من المعادنِ التي تتكوَّنُ من سِليكاتِ المغنيزيوم ، ويُعرَفُ عالَميًّا باسمِ الأسبَستوس . شاعَ استخدامُهُ مع نهايةِ الثلاثينياتِ من القرنِ الماضي في عزلِ المباني والمُنشآتِ الحراريةِ وفي صناعةِ الملابسِ المُقاوِمَةِ للحرارةِ واللَّهَبِ ، وكعازِلٍ حراريٍّ للأنابيبِ الناقِلَةِ للسوائلِ عاليةِ الحرارة ، وصناعةِ سياراتِ الإطفاءِ وكَوابِحِ السياراتِ ، وكمادةٍ عازلةٍ للأسلاكِ واللَّوْحاتِ الكهرُبائيةِ . وفي عامِ 1986م حظرتْ منظمةُ العملِ الدوليةُ استخدامَهُ نظرًا لخطورةِ استنشاقِ غُبارِه الذي يُسَبِّبُ سرطانَ الأغشيةِ الرئويةِ .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *