حرير الخروع


حرير الخروع

الخروعُ نباتٌ شَجَرِيٌّ مُزْهِرٌ ، ينتشرُ في جنوبِ وشرقِ البحرِ الأبيضِ المتوسطِ والهندِ والمناطقِ المداريةِ عمومًا . بُذورُهُ وأوراقُهُ سامةٌ للغايةِ ، أما زَيْتُهُ فهو غيرُ سامٍّ . يُحَضَرُ الزيتُ مِنَ البُذورِ التي بها مادةُ رَيْسين السامةُ ، التي تذوبُ في الماءِ لكنَّها لا تذوبُ في الزيتِ . وتحتوي بذورُهُ على 40-60% زيتًا . والخروعُ مِن أسرعِ النباتاتِ نُمُوًّا في العالَمِ ، وهو يُصْبِحُ شجرةً في ثلاثةِ أو أربعةِ أشهُرٍ ، إذا توفرَ له الماءُ وضَوْءُ الشمسِ الشديدِ . لكنَّهُ بعد أن ينمو ويتأسَّسُ ، يتحمَّلُ الجفافَ .

وشجرُ الخروعِ وبُذورُهُ معروفةٌ للإنسانِ من قديمِ الزمانِ ، فقد عُثِرَ على بذورِهِ في مقابِرِ قُدَماءِ المِصْرِيّين وذكرَتْهُ المخطوطاتُ الهندوسيةُ القديمةُ . وهناك العديدُ من شُجَيْراتِ الخروعِ في المِنْطَقَةِ الساحليةِ في مصرَ وغالبيَّتُها تنمو بَريًّا دونَ رِعايةٍ أو مُتابعةٍ من أحدٍ .

دخلَتْ فكرةُ تربيةِ دودةِ الحريرِ الخَرْوَعِيِّ في مِصْرَ عامَ ‏1917 ،‏ ولكن مُحاولاتِ نشرِ الصناعاتِ القائمةِ عليها كانتْ بطيئةً جدًّا ، ثم نشطَتْ الفكرةُ مرةً أُخْرَى في عامِ 1964 . استوردَ قسمُ بحوثِ الحريرِ بوَزارةِ الزراعةِ هذه الحشرةَ‏ ( دودةَ الحريرِ الخروعيةَ ) مِنَ الهندِ وباكستانَ ، وقامَ بِأَقْلَمَتِها ونَشْرِها ، والبَدْءِ في إقامةِ محطةٍ لتربيةِ الدودةِ ، ومصنعٍ لإنتاجِ الحريرِ في شمالِ سَيْناءَ . إلا أنَّ الاحتلالَ الصهيونيَّ لِسَيْناءَ عامَ 1967م أَوْقَفَ المشروعَ … فقد فَكَّكَ المُحْتَلُّ المصنعَ بالعريشِ ونَقَلَهُ إلى فلسطينَ المحتلَّةِ .

وهناك عِدَّةُ أسبابٍ تجعلُ العملَ على دودِ الحريرِ الخروعيِّ في شمالِ سَيْناءَ مُهِمًّا للاقتصادِ القَوْمِيِّ والمحليِّ : فقد ثبتَ نجاحُ زراعةِ أشجارِ الخروعِ في تلك المِنطقةِ بالذاتِ ، فهو ينمو في أيِّ مكانٍ ، ولا يحتاجُ إلى تُرْبَةٍ خاصةٍ أو كُلْفَةٍ زائدةٍ أو مجهودٍ إضافيٍّ .

هذا إلى جانبِ أهميةِ الزيتِ الناتجِ عن بذورِ الخروعِ الذي يُستخدَمُ في مجالاتٍ كثيرةٍ … فهو يدخلُ مثلاً في إنتاجِ الزيوتِ التي تُستخدَمُ كعاملٍ مساعدٍ في أعمالِ الصباغةِ ، وفي تركيبِ بعضِ موادِ التنظيفِ والعطورِ وصناعةِ البلاستيك والبوياتِ والورنيشِ والشمعِ والجلودِ الصناعيةِ وتحضيرِ منتجاتِ التجميلِ ودهاناتِ الشَّعْرِ ؛ وذلك لارتفاعِ لزوجتِهِ وقابِلِيَّتِهِ للذوبانِ في الكحولِ … ويُستعمَلُ كذلك في حبرِ الطباعةِ وفي تزييتِ مُحَرِّكاتِ الطائراتِ وغيرِها مِنَ الآلاتِ فائقةِ السرعةِ ، وأيضًا في دباغةِ الجلودِ وصناعةِ السيورِ . كما أنَّ له استخدامًا طِبِّيًّا مشهورًا كمادةٍ مُسَهِّلَةٍ معروفةٍ منذُ القِدَمِ وكعلاجٍ للأكزيما ومُضادٍ للبكتريا .

والسببُ الآخَرُ خاصٌّ بديدانِ الحريرِ الخروعيةِ … فقد أثبتَتْ الدراسةُ أنَّ لدودةِ الخروعِ سبعةَ أجيالٍ مُتعاقِبَةٍ في السنةِ ( أي أنَّ دورةَ حياةِ البَيْضَةِ ثمَّ الدودةِ ثم الخادِرَةِ داخلَ الشرنقةِ ثم الفراشةِ ، يُمْكِنُ أن تتكرَّرَ في العامِ الواحدِ سبعَ مراتٍ ) ، بينما تتكررُ دورةُ حياةِ دودةِ القَزِّ في السنةِ مرةً واحدةً في المناطقِ الباردةِ ومرَّتَيْنِ في المناطقِ الدافئةِ .

فإذا ربينا خمسةَ أجيالٍ في السنةِ على أوراقِ الخروعِ ، يمكنُنا الحصولُ على إنتاجٍ وفيرٍ من خامِ الحريرِ الطبيعيِّ ، ويكونُ المشروعُ مُرْبِحًا مِنَ الجهةِ الاقتصاديةِ . كما أنَّ دودةَ الحريرِ الخروعيةَ تُنْتِجُ نَوْعًا مِنَ الشرانِقِ مفتوحَ القِمَّةِ ممّا يسمحُ للفراشةِ بالخروجِ منها دون إفسادِ الحريرِ ودون الحاجةِ لقتلِها كما يُفْعَلُ في دودِ القَــزِّ . وخيوطُ الحريرِ الخروعيِّ تكونُ غيرَ متصلةٍ ، فلا تحتاجُ إلى الأجهزةِ المُسْتَعْمَلَةِ في حَلِّ شرانِقِ ديدانِ الحريرِ التوتيةِ ( دودةِ القزِّ ) ، وإنما تُسْتَخْدَمُ المغازلَ اليدويةَ أو الميكانيكيةَ العاديةَ لِغَزْلِ حريرِ دودةِ الخروعِ . ( وحلُّ الخيوطِ هو عمليةُ تحويلِ حريرِ الشرنقةِ إلى خيوطٍ ) .

وفي سنةِ ‏1966‏ أُرسِلَتْ عيناتٌ مِن خامِ الحريرِ الناتجِ من هذه الحشرةِ في سَيْناءَ إلى مصانِعَ شركةِ مِصْرَ للغزلِ والنسيجِ بالمَحَلَّةِ الكُبْرَى ، فقامَتْ بِغَزْلِ الحريرِ ثم نسجَتْ عينةً مِنَ القِماشِ أظهرَتْ أنَّها ذاتُ جَوْدَةٍ عاليةٍ وطابعٍ مُمَيَّزٍ . ولكن بعد حربِ سنةِ ‏1967 ‏، تَوَقَّفَ العملُ في المشروعِ كما أسلفنا .

 

 

يجري الآنَ التفكيرُ جدِّيًّا في إحياءِ مشروعِ دودةِ الحريرِ الخروعيةِ‏ في شمالِ سَيْناءَ ؛ وذلك باللجوءِ إلى الأراضي التي لا تصلُحُ للزراعاتِ التقليديةِ ؛ فأشجارُ الخروعِ لا تحتاجُ لاستصلاحِ الأرضِ وتجودُ زراعتُها في التربةِ المالحةِ والأراضي الصحراويةِ ، ولا يحتاجُ إلى مياهٍ كثيرةٍ للرَّيِّ فيمكنُ زراعتُها على الأمطارِ ، وهي تُقاوِمُ الجفافَ ، وتتحمَّلُ درجاتِ الحرارةِ المختلفةَ ويمكنُ زراعتُها حَوْلَ المزارعِ كسياجٍ لمواجهةِ الرياحِ والأتربةِ وحِمايةِ المزارعِ … كما أنه مطلوبٌ عالميًّا‏ . وهذه الأشجارُ هي التي تعيشُ وتتغذَّى على أوراقِها دودةُ الحريرِ الخروعيةُ . الأمرُ يحتاجُ فقط إلى حملاتِ تَوْعِيَةٍ لإعادةِ زراعتِها في الأراضي الشاسعةِ غيرِ المُسْتَغَلَّةِ .

ويتضمَّنُ المشروعُ إنشاءَ محطةٍ لتربيةِ ديدانِ الحريرِ الخروعيةِ بالعريشِ ، وتدريبَ كوادِرَ مِن شبابِ الخريجين والبدوِّ والأُسَرِ المُنتجةِ للعملِ على إنجاحِ هذه الصناعةِ في شمالِ سَيْناءَ ، وكذلك الاتصالَ بالمصانعِ الهنديةِ لتوفيرِ الأدواتِ اللازمةِ لصناعةِ هذا النوعِ مِنَ الحريرِ .

ومِن أهمِّ أنواعِ أشجارِ الخروعِ المُعَمِّرَةِ الأحمرُ العَريشيُّ ، وهو أكثرُها انتشارًا ، يليهِ الروميُّ . كما يوجدُ نوعان مُستنبَطانِ قامتْ وَزارةُ الزراعةِ بتجربتِهِما قبلَ عام ‏67‏ . وقد وجدَ الباحثون أنَّ الدودَ الذي يتغذَّى على الخروعِ الأحمرِ العريشيِّ تكونُ له غُدَدٌ حريريةٌ أكبرُ وشرانقُ أكثرُ وزنًا لها طبقاتٌ حريريةٌ أكثرُ . ويُنْتِجُ فدانُ الخروعِ ‏1500‏ كجم مِنَ الأوراقِ سنويًّا ، دونَ التأثيرِ على إنتاجِ البذرةِ . ويمكنُ استغلالُ الخُدورِ ( الخادِرَةُ هي العذراءُ التي تكونُ داخِلَ الشرنقةِ ) الغنيةِ بالبروتينِ والزيوتِ‏ في تغذيةِ الدواجنَ والأسماكَ ، كما تُسْتَخْدَمُ الفضلاتُ المُتَخَلِّفَةُ مِنَ الديدانِ سمادًا عُضويًّا مُهِمًّا للتربةِ .

وتُنْتِجُ الهندُ مِنَ النسيجِ الناتِجِ عن حريرِ دودةِ الخروعِ معاطفَ وأرديةً شتويةً تمتازُ بالمتانةِ . وقد نشأتْ تربيةُ هذه الدودةِ في آسيا خاصةً في الهندِ في ولايتَي آسام وبيهار والبنجال ، وماليزيا وبورما وسيرلانكا والفلبين وأندونيسيا . وقد امتدَّتْ الآنَ إلى غينيا الجديدةِ وتايوان ومدغشقر والسودان والبرازيل والمكسيك .

 


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *